زهير الزاهر: تحريم اليورانيوم المنضب ومحاكمة مستخدميه مهمة انسانية عاجلة

02
زهير الزاهر

الشعلة، لؤي الزاهر: بمناسبة حلول الذكرى السنوية الأولى، 12 آيار، لرحيل القائد الشيوعي زهير ابراهيم جعفر (أبو جنان) ننشر محاضرته التي القاها في البيت العراقي بدمشق في تموز 2001، والتي أدارها الأشقاء من قيادة المعارضة البحرينية وحضرها جمع من الأشقاء السوريين، ومنهم وفد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري، وبعض العراقيين في المقدمة منهم الدكتور أحمد الموسوي رئيس منظمة حقوق الأنسان العراقية وغاب عنها جميع ممثلي وقيادات أحزاب ومنظمات المعارضة العراقية. أن المحاضرة لاتزال تحمل كل عوامل التأثير في الوقت الحاضر وهي تضع في موقع الأدانة والتساؤل جميع القادة السياسيين من المعارضة ونظام صدام وحكومات الدول العربية وجامعتها. والمحاضرة تكشف عن جرائم الأدارة الأمريكية وتعريها كعدو شرس للبشرية جمعاء. وهذه تنشر للمرة الأولى حيث أني احتفظ بمسودتها بخط يد الراحل زهير الزاهر.

خطوط عامة قبل موضوع الندوة

يبدو أن قدر العراق إلا أن يعيش في ظل الأستبداد والقمع وانعدام أبسط الحريات والحقوق الديموقراطية وإلا أن يعاني من استخدام الأسلحة الكيمياوية، كما حصل في مدينة حلبجة عام 1988 ومن عمليات التهجير ومن جرائم كبرى كجريمة الأنفال ومن حربين قذرتين، الأولى حرب الأعارة والثانية حرب تصفية الحساب من نتائج الأعارة ذهب ضحيتهما أكثر من مليون عراقي بين قتيل وجريح ومشوه، حسب بل أن هذا القدر حمل معه كوارث أخرى منها ما ستبقى آثارها السلبية لأجيال معدودة مقبلة. كما هو حال الحصار الأقتصادي المفروض على شعبنا منذ أكثر من عشر سنوات وكارثة أخرى تستهدف معاقبة الأرث التأريخي والحضاري والنضالي لشعب العراق، لانبالغ إذا قلنا أن آثارها ستمتد تهدد حياة أكثر من 100 جيل عراقي مقبل كما هو الحال مع موضوع ندوتنا هذه الخاصة باستخدام اليورانيوم المنضب عسكرياً.

واذا كانت محاضرة الندوة تضم معلوماتٍ متنوعةً ربما بينكم من يعرفها كلها أو جلها أو البعض منها، فأن هذه المحاضرة لاتستهدف عرض المعلومات عن اليورانيوم المنضب واستخداماته وآثاره السلبية حسب بل هي تسعى لتنظيم الجهود والطاقات لمعالجة ماتركه هذا اليورانيوم من آثار مدمرة واشاعة النضال على المستويات الوطنية والأقليمية والدولية لوقف تكرار استخدام هذه المادة الخطيرة وتحريم هذا الأستخدام بقرارات دولية ملزمة.

 واذا كان اليورانيوم المنضب استخدم في العراق قبل عشر سنوات وبالتحديد خلال حرب الخليج الثانية، فأن الحركة الوطنية العراقية تأخرت عشر سنوات أيضاً في التصدي لهذه القضية الخطيرة التي تشكل دون مبالغة أطول وأعمق جريمة أبتلي بها الشعب العراقي كما سنرى لاحقاً. ومن المؤسف حقاً أن الحركة الوطنية كانت بطيئة في استلام كامل زمام المبادرة في التصدي الى ومقارعة العقوبات الأقتصادية التي فرضت على شعبنا تماماً كما حصل لها في تسليط الضوء على جريمة استخدام اليورانيوم المنضب ضد شعبنا وقواته المسلحة.

ويبدو أن هناك عدداً من الأسباب والعوامل التي وقفت وراء هذا البطىء الحذر من وقوع الحركة الوطنية في شرك المواقف المشتركة مع النظام العراقي وهو حذر غير مبرر لأنه عندما يحصل مثل هذا الشراك فانه يشكل مساحة مشتركة من حيث الشكل فقط، هذه المساحة التي تنفى وتزول عند الخوض في جوهر المسؤولية الحقة الأنية والمستقبلية تجاه الشعب العراقي.

وأعتقد بعد ذلك أنه لايزال هناك المزيد من الوقت لتتجاوز الحركة الوطنية، كأفراد ومنظمات وأحزاب، مافاتها من وقت في التصدي لمسألة اليورانيوم المنضب واستخدامه والدعوة لتحريمه فكل المعطيات العلمية والتقنية تؤكد على أن العمر الزمني لهذا اليورانيوم طويل وطويل جداً كما سنلاحظ فيمايأتي من هذه المحاضرة.

المحاضرة وعنوانها تحريم اليورانيوم المنضب ومحاكمة مستخدميه مهمة انسانية عاجلة

في البداية نتوقف سريعاً لتسليط الضوء على حقيقة هذه المادة. هذه المادة تسمى اليورانيوم المنضب أو المستنفذ أو المخصب (وباللغة الأنكليزية تسمى  دبليتد يورانيوم) ومن التسمية يظهر ان هذه المادة ترتبط مباشرة بمادة اليورانيوم التي شغلت العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولاتزال، وبالتحديد عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين، في شهر آب 1945، الأولى على مدينة هوراشيما والثانية على مدينة ناكازاكي وكلاهما في اليابان وحينها أحدثت تدميراً شاملاً لمدينة هوراشيما وأنزلت الموت الفوري بأكثر من 100 ألف ياباني ولاتزال اليابان تعاني من آثار هاتين القنبلتين حتى بعد مرور أكثر من خمسة وخمسين سنة على إسقاطهما. في ذلك الوقت أستخدمت واشنطن قنبلة تحتوي على 20 كيلو غراماً من اليورانيوم الذي يحتوي على 90 في المائة من نظير اليورانيوم 235 عالي الأغناء.

ولصناعة قنبلة ذرية لابد من إغناء اليورانيوم وذلك بزيادة نسبة اليورانيوم 235 من 7% الى 90% واليورانيوم المتبقي من عملية الأغناء هذه تقل فيه النسبة من 7% الى 2% وهذا الناتج يسمى اليورانيوم المنضب وهي مادة تتكون أساساً من نظير يورانيوم 238 وعدد البروتونات في نواتها يبلغ 92.

وحتى لانغوص في بحر المعلومات العلمية عن هذه المادة أشير الى أن اليورانيوم هو من الفلزات الثقيلة التي لها سمية كيميائية وأخرى اشعاعية تتم من خلال عملية الأستنشاق، وان هذه المادة تحدث تلوثاً كيميائياً واشعاعياً داخل جسم الأنسان وتدخل الدورة الدموية لتصل الى العديد من أعضاء جسم الأنسان.

من يمتلك سلاح اليورانيوم المنضب؟ ومن استخدمه وأين استخدم؟

تؤكد المعلومات أن هذا السلاح يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، الصين، اليابان، ألمانيا، هولاندا، بريطانيا وأسرائيل. فالمنضب يدخل في تصنيع الذخائر والقنابل فيعطيها ثقلاً أكبر وعزماً شديد الفاعليةِ ويجعلها أكثر قدرة على اختراق المدرعاتِ والدباباتِ والأهداف العسكرية، كما أن المنضب يستخدم في تدريع الدبابات والمدرعات بحيث يقلل من قدرة الأختراق. وللعلم فأن المنضب يستخدم كذلك في أغراض غير عسكرية، مثلاً في الوقاية من الأشعاع (كحاجز وقائي) وفي ضبط التوازن في الطائرات المدنية.

وطيلة عمر تصنيعه الذي تجاوز خمسة وخمسين سنة لم يستخدم اليورانيوم المنضب عسكرياً إلا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل. فاسرائيل استخدمته في حرب اكتوبر 1973 ضد الجيش المصري وضد الشعب اللبناني خلال فترة احتلال جنوب لبنان الذي انتهى في آيار 2000 وضد الشعب الفلسطيني. اما الولايات المتحدة المريكية فقد أستخدمت هذا السلاح المدمر في العراق على نطاق واسع وفي بعض مناطق الكويت والسعودية خلال معارك حرب الخليج الثانية عام 1991 ومن ثم في حرب البوسنة خلال عامي 1994-1995 وفي الحرب ضد يوغسلافيا وهناك معلومات تشير الى أن واشنطن أستخدمت هذا السلاح خلال حربها العدوانية على الشعب الفيتنامي خلال السنوات بين 1964 و 1975 وتجري حالياً بحوث للتأكد من مصداقية هذه المعلومات.

وفي حرب البوسنة استخدمت القوات الأمريكية ثلاثة أطنان من اليورانيوم المنضب وفي يوغسلافيا ألقت الطائرات الأمريكية 12 الف طن من القنابل القليل منها يمتلك مفعول المنضب. أما في حرب الخليج الثانية فان الجريمة كانت أكثر فضاعة حيث ألقت القوات الأمريكية 320 ألف طناً من قنابل وصواريخ اليورانيوم المنضب ضد المدرعات والعديد من المواقع العسكرية العراقية.

واينما استخدم اليورانيوم المنضب عسكرياً يشكل جريمة لاتغتفر وبمعزل عن مكان أو زمان هذا الأستخدام، فاننا في الوقت الذي لانميز في ادانة جريمة استخدام المنضب سواء كان المستخدم الولايات المتحدة الأمريكية أو اسرائيل أو غيرهما وسواء أكان المتضرر الشعب اليوغسلافي أو المصري أو اللبناني أو الفسطيني أو غيرهم، فاننا نسعى لتسليط الضوء على استخدام العراق وبعض المناطق القريبة منه في الكويت والسعودية ساحة لتطبيق فاعلية اليورانيوم المنضب المدمرة للأنسان والبيئة على حد سواء ولآماد طويلة مقبلة.

وبالأعتماد على المعطيات الموثقة التي تقدم بها كل من البروفيسور الألماني سيغفارت غونتر والبروفيسور الأمريكي الميجور دوج روكة، والأخير شغل منصب الرئيس السابق لمشروع اليورانيوم المنضب في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، نستطيع أن نتعرف على حجم وعمق جريمة استخدام المنضب في حرب الخليج الثانية. وبالمناسبة فان كلا المذكورين يعانيان حالياً من مرض السرطان بسب وجودهما في مواقع سقوط قنابل المنضب خلال حرب الخليج أو بعد توقف هذه الحرب والحضور الى المواقع التي تأثرت بضربات اليورانيوم المنضب.

قال غونتر بعد عدة جولات قام بها الى مواقع عراقية بعد حرب الخليج أن أوكسيد اليورانيوم كان وراء أعراض مايسمى بمرض الخليج وأن القوات الأمريكية أستخدمت ضد العراق 49 ألف قذيفة يورانيوم منضب، وهي كمية تعادل 7 أضعاف الكمية التي تعرضت لها اليابان عام 1945 وان هناك على الأرض العراقية حالياً بقايا 720 طناً من قنابل المنضب. وحسب غونتر فأن اليورانيوم المنضب يستعمل في صناعة الألغام والعديد من أنواع الذخيرة العسكرية، وفي حرب الخليج أستخدم الأمريكان قذائف لأختراق الدبابات وفي كل قذيفة بين 200 و 5000 غم يورانيوم جامد، وعندما كانت القذيفة تصطدم بمدرعة فان 40% منها يتحول الى أوكسيد اليورانيوم والى غبار ينتشر على مساحة قطر دائرتها يبلغ 400 م وهذه المساحة تتحول الى منطقة ملوثة. وأضاف هذا العالم اللماني أن كل انسان يسكن على بعد 200 م عن موقع سقوط القذيفة، وبمعزل عن وجود الرياح أو عدمها، يصاب بالصرطان وانه تأكد ان التلوث بأوكسيد اليورانيوم وصل في بعض الأحيان الى مسافة 40 كيلومتراً بعيداً عن موقع سقوط القذيفة. وقال غونتر ان عدم انفجار بعض القذائف وهو ماحدث خلال حرب الخليج فأن كل قذيفة غير منفجرة تبقى في حالة غير مستقرة وهي خطرة وسامة وملوثة خصوصاً لكل انسان يقترب منها، وعندما تنفجر القذيفة فان كل سيارة أو مبنى في مجال تأثيرها تمسي ملوثة.

أما الميجر الأمريكي روكة فقد ذهبت صراحته الى حدود بعيدة في إدانة جريمة المنضب الأمريكية التي وقعت في مناطق عراقية واسعة وفي مناطق محدودة من الكويت والسعودية. قال روكة أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت جريمة بحق الشعوب وبصورة متعمدة وعن سابق اصرار ذلك لأن البنتاغون كان يعرف ومنذ عام 1943 خطر اليورانيوم المنضب على صحة الأنسان وما ينتج عنه من أمرض الدم والتنفس والجلد والسرطان.

ودعوني أعرض لكم الأهم فيما ذكره روكة. قال روكة أن المطلوب عزل منطقة البصرة العراقية وتنظيفها بسرعة من أوكسيد اليورانيوم الذي يجول حالياً في الجو كذرات صغيرة جداً. وأن نصف كمية ذخيرة المنضب تحولت الى شضايا وبخار اليورانيوم، هذا البخار الذي يخترق جسم الأنسان ويسير في مجرى دمه، وان 57% من هذا اليورانيوم يبقى في الرئتين ويسبب التسمم ذلك لأن أثره يشبه أثر مادة الرصاص… وأشار روكة الى أن الخبراء الأمريكان حذروا من استخدام اليورانيوم في الحروب مستقبلاً وقالوا بعدم وجود أي مبرر لمثل هذا الأستخدام.

وفي إدانته للأدارة الأمريكية قال روكة لايمكن أن تكون ملَوِثاً ولا تكون مسؤولاً، وأن الحرب التي أدارتها واشنطن ضد العراق عام 1991 لم تكن حرباً نووية بالكامل ولكنها كانت حرباً نووية بالجزيئات. وأضاف أن التلوث بالمنضب سيبقى نحو 4.5 مليار سنة إذا لم يتم الأسراع بتنظيف المناطق المصابة.

ومن المفيد الأشارة الى أن الجنرالبوريس اليكسييف رئيس دائرة شؤون البيئة التابعة لوزارة الدفاع الروسية أكد على أن نسبة الأورام السرطانية بين العراقيين زادت 4.9 مرة بعد انتهاء حرب عاصفة الصحراء، وأن العسكريين الذين أستخدموا أسلحة اليورانيوم المنضب يشكون من سرعة التعب وآلام الرأس والعضلات وفقدان الذاكرة وصعوبة التنفس وأن واحداً من كل 7 أمريكيين حاربوا ضد العراق يعانون مما يسمى بمرض أعراض الخليج.

وحسب فالنتينا كاليستراتوفا رئيسة مختبر علم التسمم من المواد المشعة في معهد الفيزياء البيولوجية في موسكو، فأن أوكسيد اليورانيوم يمتلك مواصفات إشعاعية وأن تأثيره يبرز في مرحلة متأخرة بعد استخدامه وأن نتيجة اختبارات جرت على الكلاب والقرود التي حقنت بأوكسيد اليورانيوم ظهرت إصابات التهاب الرئتين والغدد اللمفاوية بعد 6 سنوات وتدرن الرئة بعد 30 سنة.

معالجة سياسية لهذه القضية

وقبل الخوض في أهم تفاصيل هذه المعالجة نستذكر معاً نصاً من نصوص مبادىء حقوق الأنسان الذي يقول “أن الأتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الأنسان تحدد مقاييس وقواعد معينة للسلوك من جانب الدول تجاه الشعوب يتعين أن لاتتجاوزها.” ولأن التقدم في مجال الأتصال زاد من الوعي لأية إنتهاكات للحقوق الأنسانية مهما كان شكلها وحجمها والمكان الذي ترتكب فيه فأن الرد على هذه الأنتهاكات أصبح أسرع من ذي قبل.

ومن البديهي القول أن مسألة حقوق الأنسان الفرد والجماعات والشعوب تمثل أحد إهتمامات السياسة الخارجية للدول، هذه المسألة التي تتمادى الولايات المتحدة الأمريكية في تجاهلها وتوجيه الضربات القاسية لها وتتعامل معها بأكثر من معيارين وعلى قاعدة مصالحها الأنانية والضيقة. فواشنطن خرقت حقوق الأنسان على إمتداد السنوات الخمسين الماضية ولائحة هذا الخرق تحمل الكثير من الوقائع المؤلمة غير أن واشنطن خرقت هذه الحقوق خرقاً يصح تسميته بالخرق التأريخي واللاإنساني واللاأخلاقي ثلاث مرات على الأقل. الأول حصل في اليابان (هيروشيما وناكازاكي) عام 1945 كما ذكرنا سابقاً والثاني والثالث وقعا في العراق ولاتزال آثارهما باقية منذ نحو 10 سنوات وذلك عندما فرضت واشنطن الحصار الأقتصادي على الشعب العراقي وعندما جعلت من العراق وشعبه الساحة الأولى لأوسع وأكبر إستخدام لأسلحة اليورانيوم المنضب عسكرياً.

وفي الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الذي أقر في العاشر من كانون أول 1948 مادة تدين جريمة اليورانيوم المنضب الأمريكية، فالمادة الثالثة تؤكد على أن (لكل فرد الحق في الحياة والحراسة وسلامة شخصه). فكيف يستوي التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالأعلان العالمي المذكور وهي التي زرعت نحو 600 ألف رطل من اليورانيوم المنضب في الأراضي العراقية بعد أن قتلت الكثير من أبناء الجيش العراقي بهذه المادة المدمرة. ونذكر هنا الى أن القوات الأمريكية دفنت أثناء عملياتها العسكرية في حرب الخليج الثانية العشرات من الدبابات والمدرعات العراقية في الأراضي الكويتية التي كانت مسرحاً لأشهر عملية إبادة للدبابات بسلاح حديث ومتطور (المنضب) خلال القرن العشرين.

وعلى الضد من المادة الثالثة المذكورة آنفاً فان البنتاغون جعل من العراق وبعض المناطق الكويتية والسعودية ساحة يملأ سمائها غبار المنضب الذي عند استنشاقه يدخل جسم الأنسان ولايذوب في الدم ولايمكن للجسم أن يتخلص منه أبداً ويتركز في خلايا المخ ويدمرها وكذلك خلايا العظام ويتلف العضلات وكذلك يمتد الى الخلايا الوراثية فيحدث بها تدميراً يؤدي الى وجود جيل من الأطفال المشوهين والمعوقين عضوياً وذهنياً وعقلياً، وهذه الحقائق يتفق عليها علماء الطب والكيمياء.

ولنتصور حجم انتهاك واشنطن للمادة الثالثة من الأعلان العالمي لحقوق الأنسان، فالضابط الأمريكي كارول بيكو (وهو الأن متقاعد) قال عن مشاركته في قتال حرب الخليج الثانية أنه لم ير في حياته مثل هذا الدمار، لم ير نوعاً أشد فتكاً من قذائف اليورانيوم حيث قال بالحرف الواحد أنه اثناء اشتراكه في هذه الحرب كان يرى الجنود العراقيين وهم ينصهرون ويتحولون الى بخار بعد أن تصبح عرباتهم أو دباباتهم مجرد قطعة من الفحم النخرة وكيف أن الحديد يصبح رماداً تذروه الرياح (تتميز قذيفة المنضب انها تولد حرارة شديدة تصل الى أربعة آلاف درجة مئوية اذا ما اصطدمت بجسم صلب).

واذا كان الأوروبيون الغربيون وقعوا في ازدواجية المعايير عندما تعاملوا مع قضية وجريمة استخدام اليورانيوم المنضب، وأقصد بين ماحصل في العراق ولبنان وفلسطين وسكوت الأوروبيون وبين صراخهم المتزايد رغم ضغوط واشنطن حول ماحصل في منطقة البلقان، فان الولايات المتحدة الأمريكية لاتزال تخفي الكثير من الحقائق حول الآثار المدمرة لليورانيوم المنضب وانها تسعى جاهدة لأنكار صلة هذا المنضب بالنتائج الضارة على صحة الأنسان وعلى الولادات الجديدة، غير أن واشنطن أعترفت باستخدام المنضب في حرب الخليج الثانية وفي منطقة البلقان، كما أن اسرائيل اكتفت بالأقرار بامتلاكها لسلاح المنضب دون أن تعترف باستخدامه.

وفي الواقع، خصوصاً بعد إثارة آثار المنضب في منطقة البلقان من قبل دول اوروبية كايطاليا والبرتغال واسبانيا وغيرها، وقعت الولايات المتحدة الأمريكية في أزمة أخلاقية بسبب استخدامها لسلاح المنضب دون مراعاة الحد الأدنى من تقاليد الحرب واخلاقها ولعدم التزامها بالأعراف الدولية التي تحظر على المتحاربين استخدام الأسلحة الفتاكة القاتلة والمشوهة للبشر المتحاربين والأبرياء والضارة بالبيئة، وهذا يعني انها اقدمت على تنفيذ جريمة حرب حسب وصف احكام القانون الدولي.

ولما كانت واشنطن غير عابئة بردود الفعل الرافضة لليورانيوم المنضب واستخداماته العسكرية، فأن هذا المنضب لم يعد يهدد العراق وبعض الدول الأخرى حسب بل ان كل دولةٍ غير الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل ستكون معرضة لخطر المنضب المباشر وغير المباشر إن عاجلاً أو آجلاً ولذلك لابد من ظهور اتحاد يضم جميع مناهضي هذا السلاح. ويبدو أن مايساعد في امكانية تحقيق اشكال من الأتحاد، أن واشنطن فشلت لحد الأن في إبقاء جريمة المنضب في البلقان في إطار ضيق داخل حلف الناتو، هذا الحلف الذي بدأ يفقد وحدته حول أخلاقية ومخاطر استخدام المنضب. وتشهد اوروبا حالياً أزمة تزداد عمقاً يوماً بعد آخر بين الحكومات والمعارضة في البرلمان بسبب الخسائر البشرية التي نزلت بحق جنودها الذين قاتلوا في البلقان تحت مظلة قيادة واشنطن وأسلحتها المدمرة ومنها اليورانيوم المنضب. وما يدعو للتفائل أيضاً في قيام إتحاد مناهض للمنضب ظهور العديد من المنظمات والشخصيات الأمريكية التي تطالب السلطات القضائية بمحاكمة وزارة الدفاع الأمريكية بسبب جرائمها في استخدام المنضب.

وأخيراً وليس آخراً، ماهو المطلوب آزاء جريمة اليورانيوم المنضب؟ المطلوب هو

أ. تشكيل وإشاعة تشكيل جمعيات وتنظيمات تناهض استخدام اليورانيوم المنضب عسكرياً.

ب. ولأن جريمة استخدام المنضب في منطقتنا لاتخص الشعب العراقي لوحده ولأن خطر استخدام هذا السلاح يهدد كل بلد عربي فأن من الضروري قيام تنظيمات وجمعيات عراقية واخرى عربية تضم العراقي والكويتي والسعودي وكل عربي آخر.

ج. تحصر مهمة هذه التنظيمات والجمعيات في الدعوة لتحقيق مايلي:

  1. مطالبة الأمم المتحدة والهيئات الدولية بتحمل مسؤولياتها باجراء مسح صحي واشعاعي سريع وشامل للمناطق العراقية والكويتية والسعودية المتضررة من اليورانيوم المنضب.

  2. عمل سجل للمواطنيين المصابين بآثار المنضب ووضعهم تحت الرقابة الصحية والأشعاعية.

  3. تنظيف المناطق المصابة باليورانيوم المنضب وبسرعة.

  4. العمل على فرض حظر شامل على تصنيع واستخدام اسلحة المنضب.

  5. المطالبة بتحريم استخدام المنضب في الحروب كافة وبصورة مطلقة.

  6. تصنيف المناطق المصابة بالمنضب كمناطق محظورة وفقاً لما هو متبع في برنامج البيئة العالمي.

  7. الطلب من الدول التي استخدمت سلاح اليورانيوم المنضب تقديم تقرير مفصَّل عن المواقع التي تعرضت للمنضب وكمية اليورانيوم التي استخدمتها في كل قذيفة حتى يمكن التحرك لتلافي الأصابة بالأشعاع القاتل، وان كان مثل هذا التحرك سيكون اكثر صعوبة في تلك المناطق المأهولة بالسكان داخل المدن والثكنات المعسكرات والمطارات.

  8. بذل الجهود لتحقيق حملة عالمية تناهض استخدام اليورانيوم المنضب وجرائم هذا الأستخدام.

  9. مطالبة الأحزاب والمنظمات والشخصيات السياسية وهيئات حقوق الأنسان بادخال مادة في برامجها تدعو الى حظر استخدام اليورانيوم المنضب وتطالب بمعالجة آثاره وتعويض المتضررين منه.

  10. تحميل الأدارة الأمريكية كامل مسؤولية استخدام المنضب عسكرياً وموت من قتل بسبب هذه المادة أو من أصيب بآثارها المدمرة. ومطالبة هذه الأدارة بالأعتذار من الشعب العراقي وان تتحمل مسؤوليتها في معالجة المصابين وتنظيف المناطق الملوثة ودفع تعويض مالي.

  11. العمل على محاكمة كل من تعمد في استعمال سلاح المنضب، وتقديم الشكاوى للجمعية العامة للأمم المتحدة والطلب منها محاكمة المتسببين بجريمة اليورانيوم المنضب.

  12. الطلب من جامعة الدول العربية أن تتقدم بطلب الى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة ومعاقبة المتسببين بجريمة المنضب هذه.

 

رد واحد to “زهير الزاهر: تحريم اليورانيوم المنضب ومحاكمة مستخدميه مهمة انسانية عاجلة”

  1. سلام الهلالي Says:

    سياتي اليوم الذي سيدفع فيه القتلة ثمن جرائمهم

    http://www.facebook.com/groups/DUvictims/?id=249835801724723

    Depleted Uranium Victims ضحايا اليورانيوم المنضب
    اهلا بكم في صفحتنا على الفيس بك

    إعجاب


أضف تعليق